كن حاسمًا عندما تواجهك بعض السلبيَّات
تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا
يقول م. عبد اللطيف البريجاوي:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))
(( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ))
ما زلنا نبحث عن وسائل متعددة لإصلاح الأسرة المسلمة ،
هذه الأسرة التي هي مفتاح الهزائم ومفتاح الانتصارات .. فبقدر ما تكون قريبة من الإسلام فإنها تكون سعيدة منتجة ، وبقدر ما تكون بعيدة عن الإسلام تكون شقية متفرقة.
إن الإسلام جاء للعالم كله وهذا يعني أنه منفتح على العالم كله ، قال تعالى : ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “ (الأنبياء :107)
ونتيجة لهذا الانفتاح الذي هو ميزة لهذا الدين قد يتسرب للمجتمع المسلم بشكل عام وللأسرة المسلمة بشكل خاص بعض الأمور والحيثيات الغربية أو الشرقية والغريبة عن المجتمع المسلم وعن مبادئه وأهدافه .
ومن هنا يكمن دور الأسرة في تحصين البيت من هذه السلبيات المختلفة ، وهي مسؤولية عظيمة وجسيمة تقع على أكتاف وأعناق الآباء والأمهات ؛
ذلك أن هذا الانفتاح الخطير والاختلاط الكبير جعل كثيرًا من الأمور السلبية تتسرب إلى بيوتنا ونحن عنها غافلون وربما الكثير الكثير من المسلمين لا يلقون لها بالًا وهي أشد أخطر وأكثر ضررًا.
ولقد حذَّر النبي عليه السلام في كثير من أحاديثه من هذا التقليد الأعمى فقال : ” لتتبعُن سنن مَن قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ” رواه البخاري .
ووقف أمام هذه الواردات الغربية والشرقية موقفًا منهجيًّا علميًّا :
1- فما وافق الأصول الإسلامية ووافق الأهداف الإسلامية قبله .
فعندما قدم تميم الداري رضوان الله عليه من بلاد الشام وتعلم من هناك كيف تشعل السرج وأنار بها المسجد النبوي دعا له النبي عليه السلام بأن ينور قبره ، وقبل منه هذا الوافد الجديد الذي لا يخالف أصولًا إسلامية بل يفيد الدعوة ويفيد الأمة .
2- ماخالف هذه الأصول والأهداف رفضه رفضًا قاطعًا لا هوادة فيه ، حرصًا منه على استقلالية الإسلام والمسلمين .
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد “
ومن هذا القبيل أمره عليه السلام بمخالفة اليهود والنصارى فعن عبادة بن الصامت قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتبع الجنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر فقال: هكذا نصنع يا محمد قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خالفوهم )) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه .
وهكذا يجب أن يكون تعامل المسلمين اليوم مع هذه الواردات المختلفة.
إن الأسرة تولد كما يولد الطفل وإن الفترات الذهبية لتربية الأسرة هي تلك الفترات الذهبية لتربية الطفل أي في السنوات الأولى من ولادتها ،
لكن ويا للأسف الشديد ! فإن كثيرًا من الأزواج يبدؤون حياتهم الزوجية وهم غير ملتزمين بالإسلام فتبدو الأسرة في الفترات الذهبية لتربيتها ضائعة لا تعرف منهجًا ولا طريقًا ، وينشأ قسم من الأولاد على هذا المنوال ،
ثم يبدأ الأب والأم بالتوبة عندما يقتربون من الثلث الأخير في أعمارهم ويريدون أن يزيلوا كل السلبيات التي كانت دفعة واحدة فيحصل الصدام بين الأزواج أو بين الأب والأم من جهة وبين الأولاد من جهة أخرى .
لقد كان منهج النبوة في السلبيات التي توجد في البيت منهجًا واضحًا وصريحًا هو عدم السماح لهذه السلبيات أن تبيت ليلة واحدة في البيت ،
لقد كان منهجه هو الحسم في السلبيات .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : جعلت على باب بيتي سترًا فيه تصاوير فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل نظر إليه فهتكه قالت: فأخذته فقطعت منه نمرقتين ” روه الإمام أحمد وأصله في الصحيحين .
فالنبي عليه السلام كان موقفه عندما رآى شيئًا مخالفًا وسلبيًّا في بيته هو الحسم في هذه السلبية ، حتى أنه نزع هذه التصاوير بيده كما صرح الإمام أحمد في روايته .
ومرة تتكلم السيدة عائشة عن صفية فيكون موقف النبي حاسمًا ، فقد روى أبو داود في سننه عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ، قال غير مسدد تعني
قصيرة فقال : ” لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ” .
إن الحسم في السلبيات في السنوات الذهبية من عمر الأسرة له الدور الكبير في سير هذه الأسرة في الطريق الصحيح والسليم ،
لكن إذا تأخر الرجل في الحسم وإنهاء السلبيات من بيته حتى سن متأخرة فهذا لا يعني اليأس لكنه مكلف شرعًا بإزالته ولكنه يحتاج إلى جهد أكبر يرافقه حكمة بالغة .
إن السكوت عن السلبيات المختلفة في الأسرة يجعلها تتراكب وتتواكب لتشكل سدًّا منيعًا في طريق إصلاح الأسرة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بإصلاحها ،
والأخطر من ذلك هو أن القائمين على الأسرة من الآباء والأمهات هم الذين يكرسون هذه السلبيات المختلفة فتنشأ الأسرة بعيدة كل البعد عن المنهج القويم والصراط المستقيم ،
والأمثلة على ذلك كثيرة فمن ذلك التدخين أمام الأولاد ، والجلوس في البيت والأب ذو عورة مكشوفة ، ومتابعة الساعات الطوال على شاشات الفضائيات .. وغير ذلك ،
مع أن الله جعل الأب حاكمًا على بيته فمن يمنعه على الأقل من تطبيق الإسلام في بيته
“ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ”
والله ولي التوفيق
Related