القضاء والقدر

في تاريخ :  28 أبريل 2015

القضاء والقدر

 

تصحيح لغوي و تنسيق مقال / إبراهيم باشا

هذه الخطبة نقلاً بتصرفٍ عن صاحب الخُطْبَة الشيخ / هاشم محمد علي المشهداني

ملخص الخطبة

1- معنى القضاء والقدر.

2- مراتب القضاء والقدر (العلم – الكتابة – المشيئة – الإيجاد).

3- الاحتجاج بالقدر على المعايب.

4-أنواع أقدار الله باعتباره قدرة الإنسان على التعامل معها.

5- كيف يؤمن المؤمن بالقضاء والقدر.

6- أثر الإيمان بالقضاء والقدر.

 

قال تعالى: “كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون” [البقرة:216].

سبحان من وسع علمه كل شيء، سبحان من جعل أمر المؤمن كله خير ولن يكون العبد مؤمنًا حتى يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره.

فما الإيمان بالقضاء والقدر ؟ وما أنواع القدر ؟ وما صفات المؤمن بقضاء الله وقدره ؟ وما أثر الإيمان بالقضاء والقدر؟

أما القضاء لغة: فهو الحكم،

والقدر: هو التقدير .

فالقدر: هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.

والقضاء: هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع.

وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه.

وينبغي أن تعلم :

أن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد.

فالعلم: أن تؤمن بعلم الله سبحانه بالأشياء قبل كونها،

قال تعالى: “وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة” [يونس:61].

والكتابة: أن تؤمن أنه سبحانه كتب ما علمه بعلمه القديم في اللوح المحفوظ،

قال تعالى: “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” [الحديد:22].

والمشيئة: أن تؤمن أن مشيئة الله شاملة، فما من حركة ولا سكون في الأرض ولا في السماء إلا بمشيئته،

قال تعالى: “وما تشاءون إلا أن يشاء الله” [الإنسان:30].

الإيجاد: أن تؤمن أن الله تعالى خالق كل شيء،

قال تعالى: “الله خالق كل شيء” [الرعد:16].

لا يجوز لأحد أن يحتج بقدر الله ومشيئته على ما يرتكبه من معصية أو كفر،

وقد أورد رب العزة ذلك في كتابه ورد عليهم فقال: “سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شي كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون” [الأنعام:148].

أي هل اطلع المدعي على علم الله فعلم أنه قد قدر له أن يفعل ففعل، علمًا أن قدر الله غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه،

فلا يصح أن يقول أحد : كتب الله علي أن أسرق فأنا ذاهب لتنفيذ قدره، فهل اطلع على اللوح المحفوظ فقرأ ما فيه.

 

إن على العبد المؤمن حقًا أن ينفذ أوامر الله وأن يجتنب نواهيه، وليس المطلوب أن يبحث عن كونه مشيئة الله وعلمه، فذلك غيب ولا وسيلة إليه.

وعقولنا محدودة والبحث في ذلك تكلف لم نؤمر به، بل قد جاء النهي عنه.

يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان.

وفي الحديث: ((خرج علينا رسول الله ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: فكأنما تقفأ في وجهه حب الزمان من الغضب، فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم)). 

رواه أحمد .

وأما أنواع الأقدار: فلقد قسم العلماء الأقدار التي تحيط بالعبد إلى ثلاثة أنواع :

الأول: نوع لا قدرة على دفعه أو رده،

ويدخل في ذلك نواميس الكون وقوانين الوجود، وما يجري على العبد من مصائب وما يتعلق بالرزق والأجل والصورة التي عليها وأن يولد لفلان دون فلان.

قال تعالى: “والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم” [يس:38].

وقال تعالى: “كل نفس ذائقة الموت” [آل عمران:185].

وقال تعالى: “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” [الحديد:22].

وقال تعالى: “إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر” [الرعد:26]. إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [الأعراف:34].

وقال تعالى: “في أي صورة ما شاء ركبك” [الانفطار: 8].

ومن ثم فهذا النوع من الأقدار لا يحاسب عليه العبد لأنه خارج عن إرادته وقدرته في دفعه أو رَدِّه.

 

الثاني: نوع لا قدرة للعبد على إلغائه ولكن في إمكانه تخفيف حدته وتوجيهه،

ويدخل في ذلك الغرائز والصحبة، والبيئة، والوراثة.

فالغريزة لا يمكن إلغاءها ولم نؤمر بذلك، وإنما جاء الأمر بتوجيهها إلى الموضع الحلال الذي أذن الشرع به وحث عليه وكتب بذلك الأجر للحديث: ((وفي بضع أحدكم أجر)) .

رواه مسلم .

 

والصحبة لا بد منها فالإنسان مدني بطبعه، وإنما جاء الأمر بتوجيه هذا الطبع إلى ما ينفع ، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” [التوبة:119].

والبيئة التي يولد فيها الإنسان ويعيش، لا يمكن اعتزالها ولم نؤمر بذلك وإنما يقع في القدرة التغير والانتقال إلى بيئة أكرم وأطهر،

والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا أوصاه العالم حتى تصح توبته أن يترك البيئة السيئة إلى بيئة أكرم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء . 

رواه البخاري .

 

وهنا لا يكون الحساب على وجود ما ذكرناه من غريزة وصحبة وبيئة وإنما على كيفية تصريفها وتوجيهها.

 

الثالث: نوع للعبد القدرة على دفعها وردها،

فهي أقدار متصلة بالأعمال الاختيارية والتكاليف الشرعية، فهذه يتعلق بها ثواب وعقاب، ويدخل في قدرتك الفعل وعدم الفعل معًا، وتجد أنك مخير ابتداءً وانتهاءً.

فالصلاة والصيام باستطاعتك فعلها وعدم فعلها، فإذا أقمتها أثابك الله وإذا تركتها عاقبك،

والبر بالوالدين باستطاعتك فعله بإكرامهما وباستطاعتك عدم فعله بإيذائهما.

وكذا يدخل في ذلك رد الأقدار بالأقدار.

فالجوع قدر وندفعه بقدر الطعام.

والمرض قدر ونرده بقدر التداوي،

وقد قيل: ((يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها أترد من قدر الله شيئًا ؟ فقال رسول الله : هي من قدر الله)) .

زاد المعاد ج3 ص36 .

 

وهذا النوع الثالث هو الذي يدخل دائرة الطاقة والاستطاعة، وهنا يكون الحساب حيث يكون السؤال: أعطيتك القدرة على الفعل وعدم الفعل، فلِمَ فعلت (في المعصية) ولِمَ لمْ تفعل (في الطاعة)

كما يدخل الجانب الثاني من النوع الثاني في توجيه الأقدار كما ذكرنا في النوع السابق فانتبه.

 

وأما صفات المؤمن بقضاء الله وقدره

فهناك صفات لابد للمؤمن بقضاء الله وقدره منها:

أ- الإيمان بالله وأسمائه وصفاته،

وذلك بأن الله سبحانه لا شيء مثله، قال تعالى: “ليس كمثله شيء” [الشورى:11].

لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته،

وقد قال العلماء: ما خطر ببالك فهو على خلاف ذلك، فلا تشبيه ولا تعطيل، أي: لا نشبه الله بأحد من خلقه ولا ننفي صفات الله تعالى.

 

ب- الإيمان بأن الله تعالى موصوف بالكمال في أسمائه وصفاته.

وفسر ابن عباس قوله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” [فاطر:28]. حيث قال: الذين يقولون: أن الله على كل شيء قدير.

 

ج- الحرص على ما ينفع:

الحرص: هو بذل الجهد واستفراغ الوسع وعدم الكسل والتواني في عمله.

 

وحرص المؤمن يكون على ما ينفعه فإنه عبادة لله سبحانه.

 

د- الاستعانة بالله:

لأن الحرص على ما ينفع لا يتم إلا بمعونته وتوفيقه وتسديده سبحانه.

هـ- عدم العجز:

لأن العجز ينافي الحرص والاستعانة.

 

و- فإن غلبه أمر فعليه أن يعلق نظره بالله وقدره والاطمئنان إلى مشيئة الله النافذة وقدرته الغالبة، وأن الله سبحانه أعلم بما يصلحه، أحكم بما ينفعه، أرحم به من نفسه، وأن الله لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير.

وذلك مصداق قول النبي : ((المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)) .

رواه مسلم .

وأما أثر الإيمان بالقضاء والقدر:

فإن الإيمان بالقضاء والقدر له آثار كريمة منها:

الأول: القوة:

وذلك سر انتصار المسلمين في معاركهم مع أعداء الله، ومعظمها كانوا فيها قلة ولكنهم أقوياء بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، حيث تربوا على قوله تعالى: “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” [التوبة:51]،

وللحديث: ((من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)) .

رواه ابن أبي الدنيا.

 

يقول أبو بكر لخالد بن الوليد رضي الله عنهما : (احرص على الموت توهب لك الحياة).

ويبعث خالد بن الوليد إلى رستم يقول له: (لقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة).

 

ثانيًا: العزة:

فالمؤمن عزيز بإيمانه بالله وقدره فلا يذل لأحد إلا لله سبحانه لأنه علم وتيقن أن النافع الضار هو الله، وأن الذي بيده ملكوت كل شيء هو الله.

وأنه لا شيء يحدث إلا بأمر الله، قال تعالى: “ألا له الخلق والأمر” [الأعراف:54].

فالخَلْق خلقه، والأمر أمره، فهل بقي لأحد شيء بعد ذلك ؟

 

ثالثًا: الرضى والاطمئنان:

فالنفس المؤمنة راضية مطمئنة لعدل الله وحكمته ورحمته،

ويقول عمر : (والله لا أبالي على خير أصبحت أم على شر لأني لا أعلم ما هو الخير لي ولا ما هو الشر لي).

 

وعندما مات ولد للفضيل بن عياض رحمه الله: ضحك، فقيل له: أتضحك وقد مات ولدك؟ فقال: ألا أرضى بما رضيه الله لي.

 

وقد ميز الله بين المؤمنين والمنافقين في غزوة أحد، فالاطمئنان علامة، والقلق وسوء الظن بالله علامة النفاق، قال تعالى: “ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية” [آل عمران:154].

 

رابعًا: التماسك وعدم الانهيار للمصيبة أو الحدث الجلل:

قال تعالى: “ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم” [التغابن:11].

قال علقمة رحمه الله: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه).

فلطم الوجوه، وشق الجيوب، وضرب الفخذ، وإهمال العبد لنظافة الجسد، وانصرافه عن الطعام حتى يبلغ حد التلف، كل هذا منهي عنه ومناف لعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر.

ولله در الشاعر:

إذا ابتليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته *** فما ترى حيلة فيما قضى الله

خامسًا: اليقين بأن العاقبة للمتقين:

وهذا ما يجزم به قلب المؤمن بالله وقدره أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرًا، وأن دوام الحال من المحال، وأن المصائب لا تعد إلا أن تكون سحابة صيف لابد، أن تنقشع وأن ليل الظالم لابد أن يولي، وأن الحق لابد أن يظهر،

لذا جاء النهي عن اليأس والقنوط في قوله تعالى: “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” [يوسف:87].

وقوله تعالى: “لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا” [الطلاق:1].

قوله تعالى: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز” [المجادلة:21].

اترك تعليقاً