سبب حذف الياء في كلمة ( المهتدي ) من سورة الإسراء والكهف ، وإثباتها في سورة الأعراف .

في تاريخ :  23 مايو 2016

سبب حذف الياء في كلمة ( المهتدي ) من سورة الإسراء والكهف ، وإثباتها في سورة الأعراف .

تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .

 

وردت كلمة ( المهتدي ) في القرآن ثلاث مرت ،

مرة بالياء في آخر الكلمة ، ومرتين بدونها .

فالمرة الأولى، في سورة الأعراف، وهي قوله تعالى : (( مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ )) .
وكتبت بالياء ..

والمرة الثانية، في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى : (( وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا )) .
وكتبت بدون ياء ..

والمرة الثالثة، في سورة الكهف، وهي قوله تعالى : (( وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِدًا )) .
وكتبت بدونها أيضًا ..

فما سبب حذف الياء في كلمة ( المهتدي ) من سورة الإسراء والكهف ، وإثباتها في سورة الأعراف ؟

والجواب:

أولًا: من الناحية اللغوية :

* أن لفظ ( المهتدي ) يجوز فيه حذف الياء وعدمه وهو الأكثر .

* وأن حذف الياء مبني على مراعاة الوقف ، وثباتها مبني على مراعاة الوصل .
وأن رعاية الوقف مرتبطة بالمعنى الوارد قبل الآية .

وهذه ثلاثة عناصر اجتمعت في المسألة ..

فإن آية الأعراف ثابتة الياء إجماعًا؛ لأن نية الوصل باقية بين مصير المهتدي ومصير الخاسر .

ومصير الخاسر هو المقصود بالسياق الذي ينتقل في الآيات من ذكر حال (ضلال) إلى مصير (هدى) إلى مصير (ضلال) .

وفي ثباتها في آية الأعراف إطالةٌ لزمن نطق ذكر مصير (الهدى) بمد الياء ، في سياق تبشيع (الضلال) للمستمع.

وفى الكهف حذفت الياء (المهتد) مراعاة للوقف، وهذا الحذف رعيًا للوقف أمر شائع في رؤوس الآي والفواصل القرآنية، لأن السياق ينتقل من ذكر حال (هدى) إلى مصير (هدى)

هذا الانتقال من (هدى) متقدم إلى (هدى) مألوف سوغ حذف الياء.

ثانيًا: من الناحية البلاغية :

يقولون: إن زيادة المبنى (الحروف التى تبنى منها الكلمة) تؤدى إلى زيادة المعنى .

وعلى ذلك .. المهتدي أطول من المهتدِ ، وبالتالى يكون فيه معنى الهداية أكثر .
وهو الأنسب للسياق الذى ورد فيه ؛
فقد ورد قبلها قول الحق سبحانه: (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ )) (الأعراف: 175) .

هذا الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها هل كان مهتديًا أول مرة أم لا؟

كان مهتديًا ، لكن كان يحتاج إلى قدر من الهداية أكبر حتى لا ينسلخ ، لذلك عقَّب عليها بـ (المهتدي) ؛ لأن الهداية التي كانت عنده ما عصمته من الإنسلاخ فكان يحتاج الى هداية أكثر وأطول حتى يرسخ ولا يضل ،
لذلك جاء التعقيب عليه بإثبات الياء فى قوله سبحانه: (( من يهد الله فهو المهتدى )) (الأعراف 178) .

أما في سورة الإسراء: (فهو المهتدِ) في قوله تعالى: ((وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا )) (الإسراء97)

هؤلاء من أصحاب النار.

ما الذي ينجي من الخلود في النار؟

أن يكون عنده هداية بسيطة: (شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقسم من الفروض.

كانت تكفيهم قدر بسيط من الهداية يخرجهم من هذا.

أما ذاك _ الذي انسلخ من آيات الله _ فكان يحتاج إلى هداية كبيرة حتى لا ينسلخ،

أما هؤلاء فتكفيهم هداية قليلة.

وأما فى سورة الكهف فالسياق يتحدث عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى وكل ما يحتاجونه قدرًا من العناية للثبات على الهدى ،
ولذلك جاء التعقيب عليهم مناسبًا لموقفهم جاء بحذف الياء فى قوله سبحانه
(( من يهد الله فهو المهتد )) (الكهف 17) .

السمة التعبيرية للسورة :

نلاحظ أن لفظ الهداية تردد في الأعراف أكثر من ما تردد في الكهف.
في الأعراف 17 مرة ، فناسبها الهداية الأكثر بإثبات الياء .

وفي الإسراء 8 مرات ، فناسبها الهداية الأقل بحذف الياء .
وفي الكهف 6 مرات ، فناسبها الهداية الأقل بحذف الياء .

ومداخلة من إحدى المشاهدات حول ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي في مسألة (المهتدي) و (المهتدِ) :

أن المهتدي هو الذي يهتدي ويسير على هدى الله ، وهي تكون بمقام اسم الفاعل وفيه الاستمرارية .

أما في قوله (فهو المهتدِ) مَن تم له الاهتداء إلى الله تعالى فصار مهتديًا.

وهنا ينطبق عليه الحديث القدسي (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها) وذلك بدليل ما لحق بالآية (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا).

 

 

 

اترك تعليقاً