نزول الوحي والدعوة السرية . ** البناء العقدي في العهد المكي ** للصلابي .

في تاريخ :  09 مايو 2016

نزول الوحي والدعوة السرية .

** البناء العقدي في العهد المكي **

للصلابي .

تصحيح لُغَوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .

أولًا: فقه النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع السنن:

إن بناء الدول وتربية الأمم ، والنهوض بها يخضع لقوانين وسنن ونواميس تتحكم في مسيرة الأفراد والشعوب والأمم والدول، وعند التأمل في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نراه قد تعامل مع السنن والقوانين بحكمة وقدرة فائقة.

إن السنن الربانية هي أحكام الله تعالى الثابتة في الكون، وعلى الإنسان في كل زمان ومكان ، وهي كثيرة جدًا ، والذي يهمنا منها في هذا الكتاب ما يتعلق بحركة النهوض تعلقًا وثيقًا.

إن المتدبر لآيات القرآن الكريم يجدها حافلة بالحديث عن سنن الله تعالى ، التي لا تتبدل ولا تتغير،

ويجد عناية ملحوظة بإبراز تلك السنن وتوجيه النظر إليها واستخراج العبرة منها ، والعمل بمقتضياتها لتكوين المجتمع المسلم المستقيم على أمر الله ،

والقرآن الكريم حينما يوجه أنظار المسلمين إلى سنن الله تعالى في الأرض ، فهو بذلك يردهم إلى الأصول التي تجري وفقها، فهم ليسوا بدعًا في الحياة،

فالنواميس التي تحكم الكون والشعوب والأمم والدول والأفراد جارية لا تتخلف، والأمور لا تمضي جزافًا ، والحياة لا تجري في الأرض عبثًا، وإنما تتبع هذه النواميس،

فإذا درس المسلمون هذه السنن، وأدركوا مغازيها، تكشفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبينت لهم الأهداف من وراء الوقائع، واطمأنوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، أو إلى وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام، واستشرفوا خط السير على ضوء ما كان في ماضي الطريق، ولم يعتمدوا على مجرد كونهم مسلمين ، لينالوا النصر والتمكين بدون الأخذ بالأسباب المؤدية إليه .

والسنن التي تحكم الحياة واعدة، فما وقع منها من زمان مضى، وسيقع في كل زمان.

والمسلمون أولى أن يدركوا سنن ربهم ، المبرزة لهم في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى يصلوا إلى ما يرجون من عزة وتمكين «فإن التمكين لا يأتي عفوًا ولا ينزل اعتباطًا، ولا يخبط عشواء، بل إن له قوانينه التي سجلها الله تعالى في كتابه الكريم؛ ليعرفها عباده المؤمنون، ويتعاملوا معها على بصيرة» .

«إن من شروط التعامل المنهجي السليم مع السنن الإلهية والقوانين الكونية في الأفراد والمجتمعات والأمم، هو أن نفهم، بل نفقه فقهًا شاملًا رشيدًا هذه السنن، وكيف تعمل ضمن الناموس الإلهي أو ما نعبر عنه بـ«فقه السنن» ونستنبط منها على ضوء فقهنا لها القوانين الاجتماعية ، والمعادلات الحضارية.

يقول الأستاذ البنا في منهجية التعامل مع السنن:
«لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها ، واستخدموها ، وحوِّلوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد» .

ونلاحظ عدة أمور مهمة:
1- عدم المصادمة.

2- المغالبة
3- الاستخدام.

4- التحويل.
5- الاستعانة ببعضها على بعض.

6- ترقُّب ساعة النصر.

إن ما وصل إليه الأستاذ البنا يدل على دراسته العميقة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وتجارب الشعوب، والأمم ، ومعرفة صحيحة للواقع الذي يعيشه ، وتوصيف سليم للداء والدواء.

إن حركة الإسلام الأولى التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم في تنظيم جهود الدعوة، وإقامة الدولة، وصناعة الإنسان النموذجي الرباني الحضاري خضعت لسنن وقوانين قد ذكرتُ بعضها بنوع من الإيجاز، كأهمية القيادة في صناعة الحضارات، وأهمية الجماعة المؤمنة المنظمة في مقاومة الباطل، وأهمية المنهج الذي تستمد منه العقائد والأخلاق والعبادات، والقيم والتصورات،

ومن سنن الله الواضحة فيما ذكر سنة التدرج ، وهي من سنن الله تعالى في خلقه وكونه، وهي من السنن المهمة التي يجب على الأمة أن تراعيها ، وهي تعمل للنهوض والتمكين لدين الله.

ومنطلق هذه السنة أن الطريق طويل، لا سيما في هذا العصر الذي سيطرت فيه الجاهلية ، وأخذت أهبتها واستعدادها،

كما أن الشر والفساد قد تجذر في الشعوب ، واستئصاله يحتاج إلى تدرج.

فقد بدأت الدعوة الإسلامية الأولى متدرجة، تسير بالناس سيرًا دقيقًا، حيث بدأت بمرحلة الاصطفاء والتأسيس، ثم مرحلة المواجهة والمقاومة، ثم مرحلة النصر والتمكين،

وما كان يمكن أن تبدأ هذه جميعها في وقت واحد، وإلا كانت المشقة والعجز ، وما كان يمكن كذلك أن تقدم واحدة منها على الأخرى، وإلا كان الخلل والإرباك.

واعتبار هذه السنة في غاية الأهمية «ذلك أن بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية يحسبون أن التمكين يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها، ويريدون أن يغيروا الواقع الذي تحياه الأمة الإسلامية في طرفة عين، دون النظر في العواقب ، ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع ، ودون إعداد جيد للمقدمات أو للأساليب والوسائل» .

«إننا إذا درسنا القرآن الكريم والسنة المطهرة دراسة عميقة علمنا كيف، وبأي تدرج وانسجام تم التغيير الإسلامي في بلاد العرب، ومنها إلى العالم كله على يد النبي صلى الله عليه وسلم… فلقد كانت الأمور تسير رويدًا رويدًا حسب مجراها الطبيعي حتى تستقر في مستقرها الذي أراده الله رب العالمين..» .

«وهذه السنة الربانية في رعاية التدرج ينبغي أن تتبع في سياسة الناس، وعندما يراد تطبيق الإسلام في الحياة، واستئناف حياة إسلامية متكاملة يكون التمكين ثمرتها،

فإذا أردنا أن نقيم مجتمعًا إسلاميًّا حقيقًا، فلا نتوهَّم أن ذلك يمكن أن يتحقق بقرار يصدر من رئيس ، أو ملك ، أو من مجلس قيادي أو برلماني، إنما يتحقق ذلك بطريق التدرج، أي بالإعداد، والتهيئة الفكرية، والنفسية، والاجتماعية.
وهو نفس المنهج الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير الحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية، فقد ظل ثلاثة عشر عامًا في مكة، كانت مهمته الأساسية فيها تنحصر في تربية الجيل المؤمن ، الذي يستطيع أن يحمل عبء الدعوة، وتكاليف الجهاد لحمايتها ونشرها في الآفاق،

ولهذا لم تكن المرحلة المكية مرحلة تشريع بقدر ما كانت مرحلة تربية وتكوين».

ثانيًا: سنة التغيير وعلاقتها بالبناء العقدي:

من السنن المهمة على طريق النهضة: السنة التي يقررها قول الله تعالى: (( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن والٍ )) [الرعد: 11]

وارتباط هذه السنة الربانية بالتمكين للأمة الإسلامية واضح غاية الوضوح ؛ ذلك أن التمكين لا يمكن أن يتأتَّى في ظل الوضع الحالي للأمة الإسلامية، فلابد من التغيير، كما أن التمكين لن يتحقق لأمة ارتضت لنفسها حياة المذلة والتخلف، ولم تحاول أن تغير ما حل بها من واقع، وأن تتحرر من أسره.

إن التغيير الذي قاده النبي صلى الله عليه وسلم بمنهج الله تعالى بدأ بالنفس البشرية ، وصنع منها الرجال العظماء، ثم انطلق بهم ليحدث أعظم تغيير في شكل المجتمع، حيث نقل الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن التخلف إلى التقدم، وأنشأ بهم أروع حضارة عرفتها الحياة.

لقد قام النبي صلى الله عليه وسلم – بمنهجه القرآني- بتغيير في العقائد والأفكار والتصور، وعالم المشاعر والأخلاق في نفوس أصحابه ، فتغير ما حوله في دنيا الناس، فتغيرت المدينة، ثم مكة، ثم الجزيرة، ثم بلاد فارس والروم ، في حركة عالمية تسبِّح وتذكر خالقها بالغدو والآصال.

كان اهتمام المنهج القرآني في العهد المكي بجانب العقيدة، فكان يعرضها بشتى الأساليب ، فغمرت قلوبهم معاني الإيمان ، وحدث لهم تحول عظيم. قال تعالى موضحًا ذلك الارتقاء العظيم: (( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام: 122].

ثالثًا: تصحيح الجانب العقدي لدى الصحابة:

كان تصور الصحابة -رضي الله عنهم- لله قبل البعثة تصوُّرًا فيه قصور ونقص، فهم ينحرفون عن الحق في أسمائه وصفاته (( وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأعراف: 180] .

فجاء القرآن الكريم لترسيخ العقيدة الصحيحة ، وتثبيتها في قلوب المؤمنين ، وإيضاحها للناس أجمعين ، ذلك ببيان توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والإيمان بكل ما أخبر الله به من الملائكة والكتاب والنبيين والقدر خيره وشره ، واليوم الآخر ، وإثبات الرسالة للرسل عليهم السلام، والإيمان بكل ما أخبروا به.

وتربى الرعيل الأول _ رضوان الله عليهم _ على فهم صفات الله وأسمائه الحسنى ، وعبدوه بمقتضاها فَعَظُم الله في نفوسهم، وأصبح رضاه سبحانه غاية مقصدهم وسعيهم ، واستشعروا مراقبته لهم في كل الأوقات .

إن التربية النبوية الرشيدة للأفراد على التوحيد هي الأساس الذي قام عليه البناء الإسلامي ، وهي المنهجية الصحيحة التي سار عليها الأنبياء والمرسلون من قبل.

وقد آتت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثمارها المباركة ، فتطهر الصحابة في الجملة مما يضاد توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات، فلم يحتكموا إلا إلى الله وحده ، ولم يطيعوا غير الله، ولم يتبعوا أحدًا على غير مرضاة الله ، ولم يحبوا غير الله كحب الله، ولم يخشوا إلا الله ، ولم يتوكلوا إلا على الله ، ولم يلتجئوا إلا إلى الله، ولم يدعوا دعاء المسألة والمغفرة إلا لله وحده، ولم يذبحوا إلا لله ، ولم ينذروا إلا لله ، ولم يستغيثوا إلا بالله ولم يستعينوا- فيما لا يقدر عليه إلا الله- إلا بالله وحده، ولم يركعوا أو يسجدوا أو يحجوا أو يطوفوا أو يتعبدوا إلا لله وحده، ولم يشبهوا الله لا بالمخلوقات ولا بالمعدومات بل نزهوه غاية التنزيه .

وكما رسَّخ القرآن المكي في قلوب الصحابة رضي الله عنهم العقيدة الصحيحة ،  حول التوحيد بأنواع ، وحول الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة ، صحح عقيدتهم حول سائر أركان الإيمان الأخرى.

رابعًا: وصف الجنة في القرآن الكريم وأثره على الصحابة:

ركز القرآن المكي على اليوم الآخر غاية التركيز ، فقل أن توجد سورة مكية لم يذكر فيها بعض أحوال يوم القيامة وأحوال المنعَّمين وأحوال المعذَّبين، وكيفية حشر الناس ومحاسبتهم وحتى لكأن الإنسان ينظر إلى يوم القيامة رأي العين.

1- الجنة لا مثيل لها:
وقد جاءت الآيات الكريمة مبينة وواصفة للجنة، بما لا يمكن أن يكون له مثيل في الكون، فأثَّر ذلك في نفوس الصحابة أيما تأثير.

إن نعيم الجنة شيء أعده الله لعباده المتقين ، نابع من كرم الله وجوده وفضله،

ووصف لنا المولى عز وجل شيئًا من نعيمها ، إلا أنه ما أخفاه الله عنا من نعيم شيء عظيم لا تدركه العقول، ولا تصل إلى كنهه الأفكار قال تعالى: (( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [السجدة: 16-17].

2- أفضل ما يعطاه أهل الجنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيرفع الحجاب، فينظرون إلى وجه الله ، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى»

وجاء في رواية أخرى: ثم تلا هذه الآية: (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) [يونس: 26]([16]).

إن التصور البديع للجنان والاعتقاد الجازم بها مهم في نهضة أمتنا، فعندما تحيا صورة الجنان في نفوس أفراد الأمة ، يندفعون لمرضات الله تعالى ويقدمون الغالي والنفيس ويتخلصون من الوهن وكراهة الموت ، وتتفجر في نفوسهم طاقات هائلة تمدهم بعزيمة وإصرار ، ومثابرة على إعزاز دين الله.

خامسًا: وصف النار في القرآن الكريم وأثره في نفوس الصحابة:

كان الصحابة يخافون الله تعالى ويخشونه ويرجونه، وكانت لتربية الرسول صلى الله عليه وسلم أثر في نفوسهم عظيم، وكان المنهج القرآني الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الأفاعيل في نفوس الصحابة؛ لأن القرآن الكريم وصف أهوال يوم القيامة ومعالمها ، من قبض الأرض ودكِّها، وطي السماء، ونسف الجبال، وتفجير البحار وتسجيرها، وموران السماء وانفطارها ، وتكوير الشمس ، وخسوف القمر ، وتناثر النجوم،

وصَّور القرآن الكريم حال الكفار وذلتهم وهوانهم وحسرتهم ويأسهم وإحباط أعمالهم،

وتحدث القرآن الكريم عن حشر الكفار إلى النار، ومرور المؤمنين على الصراط، وخلاص المؤمنين من المنافقين ،

وكان لهذا الحديث أثره العظيم في نفوس الصحابة،

وصور القرآن الكريم ألوان العذاب في النار ، فأصبح الرعيل الأول يراها رأي العين.

سادسًا: مفهوم القضاء والقدر وأثره في تربية الصحابة رضي الله عنهم:

اهتم القرآن الكريم في الفترة المكية بقضية القضاء والقدر، قال تعالى: (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )) [القمر: 49]،

وكان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس الصحابة مفهوم القضاء والقدر.
فكان للفهم الصحيح ، والاعتقاد الراسخ في قلوب الصحابة لحقيقة القضاء والقدر ، ثمار نافعة ومفيدة ، عادت عليهم بخيرات الدنيا والآخرة ،

فمن تلك الثمرات:

1- أداء عبادة الله عز وجل.

2- الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك؛ لأن المؤمن يعتقد أن النافع والضار، والمعز والمذل، والرافع والخافض هو الله وحده سبحانه وتعالى.

3- الشجاعة والإقدام، فإيمانهم بالقضاء والقدر جعلهم يوقنون أن الآجال بيد الله تعالى ، وأن لكل نفس كتابًا.

4- الصبر والاحتساب ومواجهة الصعاب.

5- سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال.

6- عزة النفس والقناعة والتحرر من رق المخلوقين.

إن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر كثيرة ، وهذه من باب الإشارة.

ولم تقتصر تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه على تعليمهم أركان الإيمان الستة المتقدمة، بل صحح عندهم كثيرًا من المفاهيم والتصورات والاعتقادات عن الإنسان والحياة والكون والعلاقة بينهما ؛ ليسير المسلم على نور من الله ، يدرك هدف وجوده في الحياة، ويحقق ما أراد الله منه غاية التحقيق، ويتحرر من الوهم والخرافات.

سابعًا: معرفة الصحابة لحقيقة الإنسان:

إن القرآن الكريم عرَّف الإنسان بنفسه بعد أن عرفه بربه وباليوم الآخر، ويجيب على تساؤلات الفطرة، من أين؟ وإلى أين؟ وهي تساؤلات تفرض نفسها على كل إنسان سوي، وتلح في طلب الجواب.

وبين القرآن الكريم للصحابة الكرام حقيقة نشأة الإنسانية وأصولهم التي يرجعون إليها، وما هو المطلوب منهم في هذه الحياة؟ وما هو مصيرهم بعد الموت؟

ثامنًا: تصور الصحابة لقصة الشيطان مع آدم عليه السلام:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال المنهج القرآني، يحدِّثهم عن قصة الشيطان مع آدم ، ويشرح لهم حقيقة الصراع بين الإنسان مع عدوه اللدود ، الذي حاول إغواء أبيهم آدم عليه السلام من خلال الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )) [الأعراف: 27].

كانت الآيات الكريمة التي تحدثت عن قصة آدم وصراعه مع الشيطان ، قد علَّمت الرعيل الأول قضايا مهمة في مجال التصور والاعتقاد والأخلاق فمنها:

1- أن آدم هو أصل البشر.

2- جوهر الإسلام الطاعة المطلقة لله.

3- قابلية الإنسان للوقوع في الخطيئة.

4- خطيئة آدم تعلم المسلم ضرورة التوكل على ربه.

5- ضرورة التوبة والاستغفار.

6- الاحتراز من الحسد والكبر.

7- إبليس هو العدو الأول لآدم وزوجه وذريتهما.

من الوسائل التي استخدمها الصحابة الكرام لمحاربة الشيطان، التخاطب بأحسن الكلام امتثالًا لقول الله تعالى: (( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا )) [الإسراء: 53].

هذه صورة موجزة عن حقيقة إبليس وتصور الصحابة رضي الله عنهم لهذا العدو اللعين.

تاسعًا: نظرة الصحابة إلى الكون والحياة وبعض المخلوقات:

ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كتاب الله تعالى ويربيهم على التصور الصحيح في قضايا العقائد ، والنظر السليم للكون والحياة من خلال الآيات القرآنية الكريمة، فبيَّن بدء الكون ومصيره.

وقرر القرآن الكريم حقائق عن الحيوان، لا تقل في الأهمية والدقة عن الحقائق التي قررها في كل جوانب الكون والحياة.

وهكذا نظَّم القرآن الكريم أفكار وتصورات الرعيل الأول عن الكون وما فيه من مخلوقات وعجائب ، وعن حقيقة هذه الحياة الفانية،

واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في غرس حقيقة المصير ، وسبيل النجاة في نفوس أصحابه ، موقنًا أن من عرف منهم عاقبته وسبيل النجاة والفوز ، سيسعى بكل ما أوتي من قوة ووسيلة لسلوك السبيل ؛ حتى يظفر غدًا بهذه النجاة وذلك الفوز،

وركز صلى الله عليه وسلم في هذا البيان على جانب مهم هو:
أن هذه الحياة الدنيا مهما طالت فهي إلى زوال، وأن متاعها مهما عظم، فإنه قليل حقير.

إن كثيرًا من العاملين في مجال الدعوة بهتت في نفوسهم حقيقة أن الدنيا لهو ولعب وغرور ؛ لأنهم انغمسوا في هذه الحياة الدنيا ومتاعها ؛ وشغفتهم حبًّا، فهم يلهثون وراءها، وكلما حصل على شيء من متاعها طلب المزيد ، فهو لا يشبع ولا يقنع، بسبب الْتصاقه بالدنيا ،

وإنها لكارثة عظيمة على الدعوة والنهوض بالأمة،

أما التمتع بهذه الحياة في حدود ما رسمه الشرع واتخاذها مطية للآخرة، فذلك فعلٌ محمودٌ .

 

اترك تعليقاً