نبذة عن حياة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز

في تاريخ :  01 يونيو 2015

نبذة عن حياة أمير المؤمنين

عمر بن عبد العزيز

تصحيح لغوي وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا

هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي ،

والده: هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم، كان من خيار أمراء بني أمية، بقي أميراً على مصر أكثر من عشرين سنة ،

أمه: أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، ووالدها: أبو عمرو عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ،

ولد سنة 61هـ في المدينة المنورة ، ونشأ فيها عند أخواله من آل عمر بن الخطاب ، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة .

وكان عمر بن عبد العزيز منذ صغره شديد الإقبال على طلب العلم، وكان يحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء ، كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة ، وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح، زاخرةً بالعلماء والفقهاء والصالحين ، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير ، وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب .

وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير ، وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ ، وقد تأثر كثيرًا بالقرآن الكريم ، وكان يبكي لذكر الموت مع حداثة سنِّه ، فبلغ ذلك أمه فأرسلت إليه وقالت: «ما يبكيك؟»، قال: «ذكرت الموت»، فبكت أمه حين بلغها ذلك .

تربى عمر بن عبد العزيز على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها ، وقد بلغ عدد شيوخ عمر بن عبد العزيز ثلاثة وثلاثين؛ ثمانية منهم من الصحابة وخمسة وعشرون من التابعين .

وقد اختار عبد العزيز (والد عمر) صالح بن كيسان ليكون مربيًا لعمر ، فتولى صالح تأديبه ، وكان يُلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد ، فحدث يومًا أن تأخر عمر عن الصلاة مع الجماعة ، فقال له صالح بن كيسان: «ما يشغلك؟»، قال: «كانت مرجّلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري»، فقال: «بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟»، فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث أبوه رسولًا فلم يكلمه حتى حلق رأسه .

وكان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير في نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة ، إذ يحتل عمر مكانة متميزة في البيت الأموي ، فقد كان عمه عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه ، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته ، ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة .

وفي ربيع الأول من عام 87 هـ ، ولَّى الخليفة الوليد بن عبد الملك عُمرَ إمارة المدينة المنورة ، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ ، وبذلك صار واليًا على الحجاز كلها ، وفرح الناس به فرحًا شديدًا .

وفي عهد سليمان بن عبد الملك تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير ، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب ، فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرَّب عمرَ وأفسح له المجال واسعًا ، وجعله وزيرًا ومستشارًا ملازمًا له في إقامته وسفره .

وقد تعددت الروايات في قصة استخلاف سليمان بن عبد الملك لعمر ، ومما ذُكِر أن الفقيه رجاء بن حيوة الكندي هو الذي اقترح على الخليفة سليمان بن عبد الملك في مرض موته أن يولي عمر بن عبد العزيز من بعده .

صعد عمر المنبر وقال في أول لقاء له مع الأمة بعد استخلافه :
« أيها الناس ، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ، ولا طلبة له ، ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي ، فاختاروا لأنفسكم . »

فصاح الناس صيحة واحدة : « قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك ، فولِّ أمرنا باليمن والبركة »

وهنا شعر أنه لا مفر له من تحمل مسؤولية الخلافة ، فأكمل خطبته ثم نزل .

وهكذا عُقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة 99 هـ .

وعندما وُلِّي عمر بن عبد العزيز الخلافة كان من أول أعماله إيقاف التوسع في المناطق النائية في أطراف الدولة ، ومحاولة سحب القوات الإسلامية من مناطق القتال ، وأول أعماله في هذا المضمار كان في القوات التي عُني الخليفة سليمان بحشدها وإنفاذها بقيادة أخيه مسلمة لفتح القسطنطينية ، والتي ظلت تحاصرها مدة سنتين لاقت فيها مصاعب كثيرة دون أن تفلح في تحقيق هدفها ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، كتب بقفل مسلمة بن عبد الملك من القسطنطينية .

وقد تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات ، أهمها :

العدل
كان عمر بن عبد العزيز يرى أن المسؤولية تتمثل بالقيام بحقوق الناس ، والخضوع لشروط بيعتهم ، وتحقيق مصلحتهم المشروعة ، فالخليفة أجير عند الأمة وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة .

وقد أحبَّ عمر أهل البيت وأعاد إليهم حقوقهم ، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب: « يا بنت علي ، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبَّ إليَّ منكم ، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي » .

ردّ المظالم

بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم بنفسه ، وقد روى ابن سعد : لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال : «إنه لينبغي أن لا أبدأ بأولٍ من نفسي» .

وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم ، فقد ثنّى ذلك بأهل بيته وبني عمومته من الأمويين ، فقد رأى أن الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي محمد أو خلفائه الراشدين ، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم ، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها ، فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد ، فأمر مولاه مزاحمًا فور تقديم هذه الزينة له ببيعها ، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين .

وردّ عمر أرضًا كان قوم من الأعراب أحيوها ، ثم انتزعها منهم الوليد بن عبد الملك فأعطاها بعض أهله ، فقال عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضًا ميتة فهي له » .

عزل جميع الولاة الظالمين

لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة عمد إلى جميع الولاة والحكام الظالمين فعزلهم عن مناصبهم ، ومنهم: خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها ،

وكان من ضمن من عزلهم عمر بن عبد العزيز : أسامة بن زيد التنوخي ، وكان على خراج مصر ، لأنه كان غاشمًا ظلومًا يعتدي في العقوبات بغير ما أنزل الله عز وجل ، فكان يقطع الأيدي من خلاف دون تحقق شروط القطع ، فأمر به عمر بن عبد العزيز أن يحبس في كل جُنُد سنة ، ويُقيَّد ويُحلُّ عنه القيد عند كل صلاة ثم يُرد في القيد ، فحبس بمصر سنة ، ثم بفلسطين سنة ، ثم مات عمر وولي يزيد بن عبد الملك الخلافة ، فردّ أسامة على مصر في عمله .

العمل بالشورى

اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته ، وقد تبين مبدأ الشورى في أول يوم من خلافته ، وبذلك خرج عمر من مبدأ توريث الولاية الذي تبناه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب .

وكان عمر يستشير العلماء ويطلب نصحهم في كثير من الأمور ، أمثال: سالم بن عبد الله ، ومحمد بن كعب القرطبي ، ورجاء بن حيوة .

كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال .

نشر العلم بين الرعيَّة

حرص عمر على نشر العلم بين رعيته وتفقيههم في الدين وتعريفهم بالسنة ، ولهذا بعث عمر العلماء لتعليم الناس وتفقيههم إلى مختلف أقاليم الدولة وحواضرها وبواديها ، وأمر عماله على الأقاليم بحث العلماء على نشر العلم ،

كما أمر عماله أن يُجروا الرواتب على العلماء ليتفرغوا لنشر العلم ، وانتدب العديد من العلماء لتفقيه الناس في الدين ، فبعث يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس والبدو ،

وذكر الذهبي أن عمر ندب يزيد بن أبي مالك ليفقه بني نمير ويقرئهم ، وبعث نافع مولى ابن عمر إلى أهل مصر ليعلمهم السنن ، وكان قد بعث عشرة من الفقهاء إلى إفريقية يفقّهون أهلها .

تدوين الحديث النبوي

أصدر عمر أوامره إلى بعض الأئمة العلماء بجمع سنن وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد حمله على ذلك ما رآه عند كثير من التابعين في إباحة كتابة الحديث ، وهم قد حملوا علمًا كثيرًا ، فخشي عمر على ضياعه ، وخشي من فشوّ الوضع ودسّ الأحاديث المكذوبة وخلطها بالصحيح من كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم  بسبب الخلافات المذهبية والسياسية .

وفاته

اختلفت الروايات عن سبب مرض عمر بن عبد العزيز وموته ، ومما ذُكِر أنه سُقي السم ، وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعًا من سياسة عمر التي قامت على العدل وحرمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم ، بل جعل بني أمية مثل أقصى الناس في أطراف دولة الإسلام ، ورد المظالم التي كانت في أيديهم وحال بينهم وبين ما يشتهون ، فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه .

وتوفي عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رجب سنة 101 هـ على أصح الروايات ، واستمر معه المرض عشرين يومًا ، وتوفي بدير سمعان من أرض معرة النعمان بالشام ، بعد خلافة استمرت سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام ، وتوفي وهو ابن تسع وثلاثين سنة وخمسة أشهر ،

وعلى أصح الروايات كان عمره لما توفي أربعين سنة .

وصية عمر بن عبد العزيز لولي عهده يزيد بن عبد الملك
كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك وهو في مرض الموت قائلًا :
بسم الله الرحمن الرحيم،
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى يزيد بن عبد الملك ،
السلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد ، فإني كتبت إليك وأنا دنف من وجعي ، وقد علمت أني مسؤول عما وليت ، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة ، ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئًا ، يقول تعالى فيما يقول : «فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ» فإن يرضى عني الرحيم فقد أفلحت ونجوت من الهول الطويل ، وإن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير ، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته ، وأن يَمُنّ علي برضوانه والجنة. وعليك بتقوى الله والرعيةَ الرعيةَ ، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلًا حتى تلحق باللطيف الخبير .

رحم الله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز

اترك تعليقاً