مخاطر التعرض للإضاءة الكهربائية ليلاً
تصحيح لغوي وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا
نقلاً بتصرف
يقول أ.د/ أحمد سالم باهمام
كليةالطب-جامعة الملك سعود
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
مدير المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم :
لقد تغير الروتين اليومي لكثير من الناس مع المدنية الحديثة ،
وأحدث ظهور الكهرباء والضوء تغيرًا كبيرًا في نظام العمل والحياة ، وهذا أثَّر بشكل كبير على عدد ساعات ونوعية النوم .
ومن المثبت علميًا أن الناس الآن ينامون أقل بساعة إلى ساعتين من أسلافهم قبل 100 سنة .
وهذا يعني أن هناك تغيرًا في الساعة الحيوية (البيولوجية) والإيقاع اليومي للناس .
والله سبحانه وتعالى خلق الليل للراحة والسكن وخلق النهار للعمل .
ولنا أن نتخيل ما عليه حالنا لو دام الليل أو النهار قال تعالى : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) القصص 71-72.
فالليل والنهار نعمتان كبيرتان من الله ، ولكل منهما دوره وأثره ،
والله سبحانه وتعالى لم يخلق الضياء في النهار والظلمة في الليل عبثًا بل نعمة ورحمة منه ، قال سبحانه : (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) القصص 73.
فالساعة البيولوجية في الجسم تنظم عمل الجسم بالتناغم مع البيئة المحيطة بالإنسان ، فالضوء في النهار يؤثر على الجسم ونقص الإضاءة في الليل لها تأثير آخر .
وتفرز الغدة الصنوبرية في المخ هرمون الميلاتونين (يعرف بهرمون النوم) والذي يذهب بدوره مباشرة إلى الدم ويسبب النعاس ، وله كذلك وظائف أخرى .
ويزداد إفراز الهرمون في العادة بسرعة بين الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء ويستمر ارتفاع مستوى الهرمون في الدم حتى ساعات الصباح الأولى وبعد ذلك ينخفض بسرعة في النهار ويصل مستواه خلال النوم إلى 10-20 ضعف مستوى النهار .
ويصاحب ذلك تغيرات أخرى حيث تنخفض درجة حرارة الجسم قبل وخلال والنوم ، وتزداد بعد ذلك في النهار ، وكذلك الحال بالنسبة لسرعة دقات القلب وضغط الدم حيث تنخفض في الليل وتزداد في النهار .
والضوء هو العامل الأساس الذي يحدد مستوى هرمون الميلاتونين في الدم ،
فالتعرض للضوء الساطع يوصل مستوى الهرمون في الدم إلى الصفر .
وقد حدثت تغيرات كثيرة في حياتنا في السنوات الأخيرة أثرت على إيقاعنا اليومي ومنها : ارتفاع حدة الإضاءة الليلية في منازلنا وأسواقنا وهو بدون شك يؤثر على عدد ساعات وجودة النوم .
فمستوى الإضاءة في كثير من منازلنا في الليل يزيد عن مستواها في النهار .
كما أن العمل أمام الكمبيوتر حتى ساعات متأخرة يعتبر تعرضًا لضوء شديد ،
وكذلك الحال بالنسبة للتعرض لألعاب الكمبيوتر بالنسبة للأطفال .
ما سبق يدعمه الكثير من الأبحاث ، حيث أظهرت الأبحاث أن التعرض لضوء ساطع خلال النصف الأول من المساء يؤدي إلى :
ــ نقص مستوى هرمون الميلاتونين
ــ وتأخر النوم
ــ وزيادة دقات القلب
ــ ونقص جودة وعدد ساعات النوم
مقارنة بالذين تعرضوا لضوء خافت .
وما سبق ينطبق كذلك على التعرض لألعاب الكمبيوتر .
وتأثير ما سبق يكون أكثر وضوحًا بالنسبة للأطفال مقارنة بالكبار .
و يوضح هذا سبب سهر أطفالنا وزيادة نشاطهم حتى ساعات متأخرة من الليل ، وهذه شكوى شائعة تصلنا من كثير من الآباء والأمهات .
ويعتبر التعرض للضوء الساطع خلال الليل ولفترات طويلة أحد أسباب تغير الساعة البيولوجية ، وينتج عن ذلك أيضًا زيادة النعاس في ساعات النهار الأولى مما يزيد من احتمال نوم الطفل في المدرسة .
لذلك وجب الاحتياط لما سبق .
و أنصح القراء الكرام بأن يكون مستوى الإضاءة في المنازل وفي غرف الأطفال هادئًا قبل وقت النوم بساعتين حتى نتيح لأجسامنا اتباع النظام الفيزيولوجي الطبيعي الذي خلقه الله داخل أجسامنا .
انتهى كلام أ.د/ أحمد سالم باهمام
وقد حذر رئيس قسم طب النوم في مستشفى “بريغهام آند وومن” الأميركي تشارلز كيزلر من أن النظر في شاشات الحواسيب والهواتف الذكية والتلفزيون خلال فترة المساء يتسبب في نقص النوم ،
وهو ما يزيد من مخاطر التعرض لمشاكل صحية عدة منها :
ــ البدانة
ــ والاكتئاب
ــ وأمراض القلب
ــ والسكتة الدماغية .
وبحسب مقال كيزلر في مجلة “نيتشر” العلمية ، فإن التعرض للضوء الكهربائي في أوقات الليل الذي يُفترض أن يكون وقت النوم الطبيعي ، هو السبب الأهم في حدوث نقص واضطراب النوم ، رغم وجود عوامل أخرى أحدثها نظام الحياة المعاصرة الذي يتحرك على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع ، مثل : الاستيقاظ مبكرًا للعمل والدراسة ، والإفراط في تناول الكافيين ، والرحلات الطويلة .
ويقول كيزلر الذي يعمل ضمن قسم طب النوم في جامعة هارفارد ، إنه كنتيجة لذلك يواصل كثير من الناس قراءة البريد الإلكتروني أو أداء الواجبات أو مشاهدة التلفزيون في منتصف الليل .
ويقلل التعرض للضوء الصناعي من راحة الجسم أثناء الليل بتثبيطه نشاط الخلايا العصبية المسؤولة عن النوم مع تنشيط الخلايا المسؤولة عن اليقظة ،
بجانب إعاقة إفراز هرمون النوم المعروف باسم “الميلاتونين”، فضلاً عن تأثيره على الخلايا الحساسة للضوء في العين .
وتؤدي هذه العوامل معًا إلى اضطراب الساعة البيولوجية أو الحيوية للجسم ، والتي تضطلع( تكون هي المسئولة) بتنظيم أوقات النوم والاستيقاظ .
ويرى كيزلر أن “التقنية تتسبب في إبعادنا عن نمط اليوم الطبيعي الذي يُلائم أجسامنا”،
ويعتقد بأن انتشار الإضاءة الصناعية والزيادة المستمرة في استهلاكها أدى إلى شيوع نقص النوم ، حيث يرتبط انخفاض تكلفة توفير الإضاءة بزيادة استهلاك الفرد لها .
وبحسب استطلاع نشر العام الماضي كان متوسط ساعات نوم 30% من الموظفين و44% من العاملين في الفترات المسائية بالولايات المتحدة ، أقل من ست ساعات كل ليلة ، وهو ما يختلف كثيرًا عن الوضع قبل خمسين عامًا ، حيث كان نحو 3% فقط من سكان الولايات المتحدة ينامون قليلًا .
كما أفاد 5% من الموظفين البريطانيين بنومهم أقل من خمس ساعات في الليلة .
وبالنسبة للأطفال، يقول كيزلر إن قلة النوم تدفعهم للاستيقاظ ولا تزيد من شعورهم بالنعاس ، كما تتسبب في ضعف تركيزهم .
ويُرجِّح أن يكون نقص النوم ضمن الأسباب المؤدية إلى ما يُعرف باسم متلازمة “اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” التي يعاني منها 19% من الفتيان الأميركيين خلال المرحلة الثانوية .
يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية صنفت العمل خلال الليل ضمن الأسباب المعروفة والمحتملة لأمراض السرطان ،
كما يرفع استمرار نقص النوم لفترات طويلة من خطر الإصابة بمجموعة من الأمراض .
وبحسب دراسة للمركز الوطني الأميركي لمعلومات التقنية الحيوية ، تزيد معدلات الوفاة بنسبة 15% للأشخاص الذين ينامون أقل من خمس ساعات يوميًا ، مقارنة مع أشخاص من نفس العمر ينامون جيدًا .
ويؤكد كيزلر على أهمية النوم للصحة الجسدية والعقلية ، وضرورة الانتباه إلى تأثير استهلاك الضوء على الساعة البيولوجية للفرد ، وتغيير السلوكيات اليومية ، كما يؤكد على أهمية تقديم ابتكارات تقنية للتقليل من الآثار الضارة للتعرض للإضاءة .
Related