ما حكم من يقول أن النقاب عادة جاهلية وأنه ليس هناك نص في القرءان أو السنة لهذا الكلام ؟
كيف يكون النقاب عادة ، وحديث( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) وهذا حديث صحيح لا ريب فيه ، هذا معناه لا تنتقب المرأة المحرمة ، فكيف النقاب لم يأتي في السنة ؟ وآية سورة الأحزاب التفسير الصحيح إلى عبدالله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما وجماهير أهل العلم يقولون بذلك ، وأنا لا أفهم أي إنسان يراجع كتاب من كتب التفسير أو كتاب من كتب الفقه سيجد هذا الكلام .
والأعجب من هذا أن يقول قائل أن النقاب كان بدعة عند مالك ، أنا أقول لهذا القائل أخرج مصدرك ، من أين أتيت بهذا الكلام ؟ ، لو بحث في كتب المالكية لن يجد هذا الكلام ، إنما الموجود في كتب المالكية أن إيجاب النقاب في الحج بدعة ، فهو حذف كلمة الحج هذه ، والمعروف أن المرأة في الحج لا تنتقب وليس النقاب عند مالك بدعة .
يقول هو واجب عند الشافعي وبدعة عند مالك ويترك القراء يقرءون وكل واحد يختار الذي يريده ، فكيف يكون النقاب واجب عند الشافعي وتأثم المرأة إذا لم تنتقب ، ويكون بدعة عند مالك تأثم إذا انتقبت ، كيف ذلك ؟ أليس هذا يجعل الجماهير تسيء الظن بأهل العلم الكبار .
الموجود في كتب المالكية أن من يوجب النقاب على المرأة المحرمة هذا مبتدع فالمفروض أن نصحح الكلام ، نذاكر أيضًا وننقل بأمانة كلام أهل العلم وأما من يقول ليس موجود في الكتاب والسنة فالإنسان يقلب كفيه عجبًا .
أيضًا مسألة الطلاق في الحيض ، يقول لا ينبغي أن يتبنى الإنسان الطلاق في الحيض إذا كانت هذه الطلقة مثلاً الطلقة الثالثة كما فهمت والبيت يتشرد ، طبعًا هذا الكلام لا قائل به من أهل العلم مطلقًأ ، هذا أهل العلم يسمونه رخص العلماء ، تتبع الرخص .
الجماعة الذين يتتبعون رخص العلماء ماذا يعملون ؟ يقولون إذا كان في المسألة ثلاثة أقوال ، فأنت اختار أسهل الأقوال ،أنا أقول نقل بن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم على تحريم تتبع رخص العلماء ، وليس المقصود بالرخصة هنا الرخصة التي دل عليها الدليل ، وليس المقصود الرخصة الشرعية ، المقصود زلة العالم ، العلماء يسمونها رخصة مثل سليمان التيمي وهو صاحب هذا الكلام الرائق الجميل ، إذا تتبعت رخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ، لأن الرخصة هنا معناها الزلة ، إذا أخذ زلة من هنا وزلة من هنا ومن هنا كان المجموع زلات .
نفترض أن أنا رجل عالم وتحرر لدي بتنقيح الأدلة ثابتة من جهة النقل وراجحة من جهة الفهم ، ترجح لدي أن الطلاق يقع في الحيض وهذا قول جماهير أهل العلم أصحاب المذاهب الأربعة خلافًا لشيخ الإسلام بن تيميه ومن رأى رأيه في هذه المسألة أن الطلاق يقع في الحيض .
ترجح لدي ذلك وعندي آلة الاجتهاد ، أستطيع أن أنظر في الدليل وأستطيع أن أفهم ، دارس أصول حديث صح ، دارس أصول فقه صح ، أثبت الدليل وأثبت الدلالة واخترت هذا وضعفت القول الآخر ، هو عندي ضعيف مثلاً ، وأنا أعطي مثال ، فلما يأتي أحد يقول طلقت امرأتي في الحيض بأي وجه يلقى المرء ربه أنه يترك ما يعتقد أنه الحق جزمًا ويفتيه بالقول الأخر الضعيف لأجل ألا تتفرق الأسرة ؟ .
هذا ليس عملنا وليس من صلاحية الفقيه ، إنما متى ينتقل من هذا إلى هذا إذا كان كلا القولين على ميزان واحد في القوة ، بكل أسف يحتجوا بمثل هذا الانتقال إلى القول الأضعف مع أنه لا يعتقده ، مثلاً قول عائشة رضي الله عنها ” ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما “فيقول الأيسر أنك ترجع المرأة لزوجها ولا تهدم بيتها وهذا هو الأيسر .
أنا أقول لمن كتب هذا الكلام أكمل الحديث ، عائشة رضي الله عنها تقول:
” ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا “، وأي إثم أعظم من أنك تترك ما تدين لله به وتعتقد أنه الحق وأن غير ذلك منكر أو ضعيف أو مرجوح ، فكيف تترك هذا الذي تعتقده وتذهب إلى القول الأخر الذي لا تعتقده أنت ، هذا إثم أن تفتي في دين الله عز وجل بما لا تعتقد .
فتتبع رخص العلماء لا يجوز ، متى ينتقل المرء من هذا القول إلى هذا القول إذا ترجح لديه أن القولين على قدر من القوة ، يجوز أو كما نقول أو فيه ثمرة خلاف في المسألة ، ممكن ألجأ إليها .
لكن أن أقول إذا كان فيه قول العلم بأن الطلاق مثلاً لا يقع في الحيض فأول ما يأتيني أحد ولكي لا أهدم البيت أفتيه بهذا ، فمن الذي يقول هذا الكلام ؟
نعم إذا كان يعتقد أن الطلاق لا يقع في الحيض وحرر الأدلة ووصل إلى قناعة يفتي بذلك ولا يلزمه أن يفتي بالقول الأخر حتى ولو كان قول الجماهير طالما أنه وصل إلى قناعة والمفتي لابد أن يعلم أنه قبل أن تزول قدمه يوم القيامة سيسأل عن مثل هذا .
لذلك الإمام مالك عندما نقل عن شيخه محمد بن عجلان أنه جاءه رجل وامرأته وقال: أنني طلقت ، فلم يترجح عند محمد بن عجلان قول فأبى أن يفتي ، فسأله مالك عن ذلك فقال: أرجعها له يستمتع بها وأنا أسأل عنها ، ليس من صلاحياتي ، قبل أن تزول قدمه سيقال له كيف أفتيت بهذا ؟ .
ونحن نقول: إذا وصل المرء إلى قناعة وكان من أصحاب الأهلية في الفتوى إلى هذا القول أو إلى ذاك القول لا جناح عليه أن يفتي ولا يلزمه القول الأخر ، قال سفيان الثوري رحمه الله [ إنما العلم الرخصة من ثقة ] الرخصة الشرعية من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد .