تفسير قوله تعالى : (( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )) . من كتاب / أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .

في تاريخ :  19 أبريل 2016

تفسير قوله تعالى : (( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )) .

من كتاب / أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .

 

تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .

اعلم أولًا : أن ” قصد السبيل ” : هو الطريق المستقيم القاصد ، الذي لا اعوجاج فيه ،

وهذا المعنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني : [ ص: 336 ]

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ***

وعري أفراس الصبا ورواحله

وأقصرت عما تعلمين وسددت ***
علي سوى قصد السبيل معادله

وقول امرئ القيس :
ومن الطريقة جائر وهدى *** قصد السبيل ومنه ذو دخل

فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ، وكل منهما له مصداق في كتاب الله ، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر .

الأول منهما : أن معنى ( وعلى الله قصد السبيل ): أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي : موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته ،

( ومنها جائر ) أي : ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه ،

ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، وقوله : ( وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) .

ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : ومنها جائر وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد .

الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : ( وعلى الله قصد السبيل ) ، أي : عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله .

ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : (( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) ، وقوله : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، وقوله : (( فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) ، إلى غير ذلك من الآيات .

وعلى هذا القول ، فمعنى قوله : ( ومنها جائر ) ، غير واضح ؛ لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق ، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق ،

والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ) الآية .

قوله تعالى ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ،

وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ، كقوله : [ ص: 337 ] (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )) [ 6 \ 35 ] ،

وقوله : (( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )) . [ 32 \ 13 ] ،

وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )) [ 6 \ 107 ] ،

وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا )) . الآية [ 10 \ 99 ] ،

وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً )) . الآية [ 11 \ 118 ] ،

إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا هذا في ” سورة يونس ” .

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً