تفسير قوله تعالى : (( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )) .
من كتاب / أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
تصحيح لغوي ، وتنسيق مقال أ/ إبراهيم باشا .
اعلم أولًا : أن ” قصد السبيل ” : هو الطريق المستقيم القاصد ، الذي لا اعوجاج فيه ،
وهذا المعنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني : [ ص: 336 ]
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ***
وعري أفراس الصبا ورواحله
وأقصرت عما تعلمين وسددت ***
علي سوى قصد السبيل معادله
وقول امرئ القيس :
ومن الطريقة جائر وهدى *** قصد السبيل ومنه ذو دخل
فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ، وكل منهما له مصداق في كتاب الله ، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر .
الأول منهما : أن معنى ( وعلى الله قصد السبيل ): أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي : موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته ،
( ومنها جائر ) أي : ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه ،
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، وقوله : ( وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) .
ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : ومنها جائر وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد .
الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : ( وعلى الله قصد السبيل ) ، أي : عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله .
ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : (( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) ، وقوله : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، وقوله : (( فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) ، إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى هذا القول ، فمعنى قوله : ( ومنها جائر ) ، غير واضح ؛ لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق ، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق ،
والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ) الآية .
قوله تعالى ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ،
وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ، كقوله : [ ص: 337 ] (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )) [ 6 \ 35 ] ،
وقوله : (( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا )) . [ 32 \ 13 ] ،
وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )) [ 6 \ 107 ] ،
وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا )) . الآية [ 10 \ 99 ] ،
وقوله : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً )) . الآية [ 11 \ 118 ] ،
إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا هذا في ” سورة يونس ” .
Related